lundi 1 novembre 2010

الشريعة الإسلامية السداسي الثاني


العرف كمصدر تشريعي
تعريفه:هو ما اعتاده الناس أو استقامت عليه أمورهم من كل فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى معين و هو يختلف عن العادة إذ العادة بمعنى التكرار  هي مأخوذة من المعاودة و كما يكون تعود الشيء من فرد واحد يكون من جماعة أما العرف فهو بمعنى العادة الجماعية فلا يصدق إلا على الجماعة لذا لا يعتبروا عرفا ما يعتاده أحد أو بعض الناس لأنه لا يتحقق إلا لاعتياد كل الناس أو أغلبهم.
أقسامه:
أ-تقسيم العرف إلى قولي و عملي :
1-العرف القولي : كتعارف على عدم إطلاق اللحم عل السمك مع أن القرآن سماه لحما قال تعالى :" وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّا " وكتعارفهم على إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى رغم أنه ينطبق على كليهما.
 قال تعالى:" ُيوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ".
و كتعارضهم إلى بعض البلاد على إطلاق لفظ الدابة على الفرس فقط.
2-العرف العملي : اعتياد الناس على بيع المعاطاة من غير وجود صيغة لفظية و كتعارفهم على قسمة المهر في الزواج إلى مؤجل و معجل.
ب-تقسيم العرف إلى عام و خاص :
1-العرف العام :
هو ما تعارفه غالبية أهل بلدة في وقت من الأوقات مثل تعارفهم على عقد الإستصناع    و كتعارفهم على دخول الحمام دون تحديد مدة البقاء فيه و كاستعمال لفظ الحرام بمعنى الطلاق لإزالة عقد الزواج .
2-العرف الخاص:
هو ما تعارفه أهل بلدة أو إقليم أو طائفة معينة من الناس مثل جعل دفاتر التجار حجة في إثبات الديون التجارية.حيث تختلف الأعراض من طائفة إلى أخرى و من بلد إلا آخر.
ج-تقسيم العرف إلى عرف صحيح و عرف فاسد:
1-العرف الصحيح: و هو ما تعارفه الناس دون أن يحرم حلالا أ يحل حراما كتعارفهم على أن الزوجة لا تنتقل إلى بيتها إلا بعد قبض جزء من صداقها و أن المهر قسمان مؤجل          و معجل.
2-العرف الفاسد: هو ما تعارفه الناس و لكنه يحل حراما أو يحرم حلالا كتعارفهم على أكل الربا و التعامل مع البنوك و المصارف بفائدة و ترك الصلاة في الاحتفالات و اختلاط النساء بالرجال في حفلات الزفاف.
حجية العرف :
ذهب جمهور العلماء إلى اعتبار العرف من الأدلة الشرعية التي يرجع إليها في استنباط الأحكام الشرعية العملية و يستدلون في ذلك فيما يلي :
1-قوله عز وجل :" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ "
2-قول مسعود رضي الله عنه :" ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسنا "
3-ما ثبت عن النبي "ص" لهند بنت عتبة زوج أبي سفيان رضي الله عنهما كما اشتكت من بخل و تقتير زوجها وشحة في النفقة قال لها خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف.
4-إذا تعارف الناس على قول أو فعل ما دل ذلك على كونه أنه يحقق مصلحة له و هذا لجلب منفعة أو دفع مفسدة و تحقيق مصالح العباد ما تهدف إليه الشريعة الإسلامية، يقول الإمام القرافي أما العرف فمشترك بين المذاهب و من إستقرءها و جدهم يصرحون لذلك.
شروط العمل بالعرف :
1-ألا يناقض العرف نصا قطعيا فلا عبرة بما تعارف به الناس من أكل الربا لأنه عرف فاسد مناقض لقوله تعالى :"وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ".
2-أن يكون العرف مضطرا أي في جميع الحوادث أو أغلبها فلا عبرة بالعرف الغير الغالب.
3-أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات موجودا عند إنشائها و ذلك بأن يقترن بالفعل دون تأخير عنه.
4-ألا يعارض العرف تصريح بخلافة فإذا كان العرف الجاري يقضي بتعجيل نصف المهر     و تأجيل النصف الآخر اشترطت المرأة بتعجيله كله وقبل الزوج فإن العرف لا يحكم هنا لأنه لا ينصرف إليه إلا إذا لم يوجد ما يبين مقصود بالمتعاقدين صراحة بحيث علم المقصود صراحة من الشرط فلا يحكم العرف.


اختلاف الأحكام باختلاف الأعراف
نظرا لتغير أعراف الناس بتغير الأزمان فإن الأحكام المبنية عليها تتغير كما ذكر ابن العابدين إلى سائله لذا قالوا: على المجتهد أن يكون على دراية بأعراف الناس فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان تبعا لتغير الأعراف أو لحدوث ضرورة أو لفساد أهل الزمان فلو بقي الحكم على حاله لترتب عنه ضرر ومشقة ومنافاة لما تقوم عليه الشريعة من تيسير و رفع الحرج و هذه بعض الأمثلة :
روي عن الإمام مالك انه : إذا تنازع الزوجان في قبض المهر بعد الدخول فالقول قول الزوج مع أن الظاهر أن القول يكون للزوجة لأن الأصل عدم القبض، فقال بعض فقهاء المالكية ( المتأخرين) هذه كانت عادتهم بالمدينة أن الرجل لا يدخل بزوجته حتى تقبض صدقها و اليوم عادتهم على خلاف ذلك و القول قول الزوجة مع يمينها جريا (أخذا) على عرف الناس.
أفتي المتأخرون من العلماء بجواز أخذ الأجرة عن الإمامة والأذان وسائر الطاعات مخالفين ما كان مقررا عند العلماء السابقين نظرا لتغير الزمان وانقطاع عطايا المعلمين       وأصحاب الشعائر الدينية من بيت المال فلو اشتغل هؤلاء بالاكتساب من زراعة وصناعة    وتجارة ما لزم منهم ضياع القرآن و إهمال الشرائع.
وعليه يمثل مالا واضحا على ما تمتاز به الشريعة الإسلامية من مرونة وعلى ما يمتاز به الفقه الإسلامي من خصوبة وأن العرف مبني على مراعاة الحاجة والمصلحة     ودفع المشقة والتيسير في التكاليف وهذا ما تدعوا إليه الشريعة الإسلامية.
تعريف الصحابي:
الصحابي عند جمهور الأصوليين هو من لقي للرسول (ص) مؤمنا به و لازمه زمنا طويلا.
وعند جمهور المحدثين (علماء الحديث) الصحابي هو من لقيه مسلما ومات على إسلامه سواء طالت صحبته أو لم تطل.
حجية قول الصحابي:
اتفق العلماء على أن قول الصحابي ليس حجة على صحابي مثله واختلفوا في حجية مذهبه على غير الصحابة و انقسموا إلى فريقين (مثبتون و منكرون).

1-أدلة المثبتون:
القائلون بأن قول الصحابي حجة ،استدل هؤلاء بعدة أدلة نذكر منها :
1-إشارة القرآن الكريم إلى فضل الصحابة و رضا الله عز وجل على من اتبعهم حيث قال تعالى :" وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" سورة التوبة.
2-قال تعالى :" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ "
 وهذا خطاب للصحابة رضي الله عنهم يدل على أن ما يأمرون به معروف والأمر بالمعروف واجب القبول.
3-وردت عدة أحاديث تدعوا إلى إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين قال الرسول "ص": عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها و عظوا عليها با لنواجد"
وقال "ص":" خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"
4-قال ابن القيم عن فتوى الصحابة:" أنها لا تخرج عن ستة أوجه:
الأول: أن يكون سمعها من الرسول "ص"
الثاني : أن يكون سمعها ممن سمعها عن الرسول "ص"
الثالث : أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهما خفي علينا.
الرابع:أن يكون اتفق عليها جمعهم و لم ينقل إلينا إلا قول المفتي وحده.
الخامس : أن يكون بكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا ...الخ       ولمجموع الأمور التي فهمها على طول الزمان من رؤية النبي "ص" و مشاهدة أفعاله       و سماع أقواله والعلم بمقاصده و شهود تنزيل الوحي ....إلخ فيكون فهم ما لم نفهمه.
وعلى هذه التقارير الخمسة تكون فتواه حجة يجب إتباعها.
سادسا : أن يكون فهم ما لم يرده الرسول "ص" واخطأ في فهمه والمراد غير ما فهمه      وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة و معلوم قطعا أنه وقوع الاحتمال من خمسة اغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين هذا مما لا يشك فيه عاقل و ذلك يفيد ظنا غالبا على أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من بعده.


2-أدلة المنكرون:
ذهب فريق من العلماء إلى إنكار حجية قول الصحابي واحتجوا بما يلي:
1-الصحابة من أهل الاجتهاد والمجتهد يجوز الخطأ والسهو منه ولا يجب على تابعي المجتهد ولا من بعده العمل بمذهبه، فهم غير معصومين من الخطأ ومن لا عصمة له لا حجة لقوله.
2-كان الصحابة يقرون التابعين على اجتهاداتهم  وكان للتابعين في أحيان عديدة آراء مخالفة لمذهب الصحابة فلو كان قول الصحابي حجة على غيره لما تمكن  التابعون من الاجتهاد       ولأنكر عليهم الصحابة مخالفتهم لأقوالهم .
مثال ذك أن علي رضي الله عنه تحاكم في ذرع له وجها عند يهودي إلى شريح (أشهر قضاة التاريخ الإسلامي ) وكان عمر ولاه القضاء فخالف عليا في رد الشهادة الحسن له لقرابته وكان رأي علي رضي الله عنه جواز شهادة الابن لأبيه.
ويرى الأستاذ زكريا البري أن آراء الصحابة الاجتهادية ينبغي أن لا تكون حجة ملزمة كالقرآن والسنة وإنما يستأنس بها في استنباط الأحكام من النصوص .
قال ابن الحاجب المالكي :" مذهب الصحابي ليس حجة على صحابي مثله اتفاقا و المختار...   ولا غيرهم"
وأكثر العلماء توسعا في العمل كأقوال الصحابة و اجتهاداتهم الإمام مال وأحمد بن حنبل وإليكم بعض الأمثلة الدالة على اختلاف العلماء بسبب اختلافهم حول حجية قول الصحابي مثال1 : اختلفوا في المرأة المطلقة طلاق فرار و هي من طلقت من قبل زوجها في مرض موته طلاقا بائنا بغير رضاها هل ترث منه إن مات زوجها خلال فترة العدة فذهب جمهور الفقهاء إلى أنها ترث من زوجها معاملة له بنقيض مقصوده أخذ بقول عثمان بن عفان بما ورد عن بعض الصحابة كعبد الله بن مسعود وأتنس بن مالك قرء المرأة :ثلاثة أيام ،أربعة ،خمسة، ستة سبعة، ثمانية، تسعة ،عشرة وذهب الشافعي إلى أن أقل مدة الحيض يوم و ليلة مستدلا....
عندما قضي في هذه المسألة لما عرضت عليه و كان آنذاك خليفة بتوريثها من زوجها و ذهب الإمام الشافعي إلى عدم توريثها منه عملا بالقياس لأن الطلاق في حالة المرض و الصحة سواء و لم تصيح بالطلاق البائن زوجة له حيث لم يعمل الشافعي رحمه الله بقضاء عثمان
مثال2: كما اختلفوا في تحديد اقل مدة الحيض فذهب الحنفية إلى أن اقل مدة الحيض ثلاثة أيام و لياليها و استدلوا على ذلك
أن أقل مدة الحيض يوم و ليلة مستدلا على ذلك بالعرف والعادة حيث لم يرد في اللغة         والشرع تحديد لها.
شرع من قبلنا :
أخبر القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة عن قصص الأنبياء السابقين عليهم السلام     وبعض الأحكام التشريعية التي وردت في شرائعهم فهل أحكام الشرائع الأمم السابقة كاليهودية والنصرانية مطالب بالعمل بها ولا يقصد بشرع من قبلنا ما اقره شرعنا فهذا الإخلاف في كونه شرع لنا كقوله تعالى:" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ولا ما ألغاه شرعنا فهذا أيضا لا خلاف في أنه لا يعد شرعا لنا كقوله تعالى :" َعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ " الآية 146 من سورة الأنعام.
إنما المقصود هنا ما لم يقره شرعنا و لم يلغيه أيا يكون شرعا لنا و هنا وقع خلاف بين العلماء:
فذهب جمهور الحنفية والمالكية والشافعية واحمد في رواية عنه إلا أن ما صح من شرع من قبلنا شرع لنا من طريق الوحي إلى الرسول "ص" لا من جهة كتبهم المحرفة فيجب علينا العمل به ما لم يرد في شرعنا خلافه و لم ينكره.
أدلة الجمهور : أدلة الجمهور لتدعيم:
1-وحدة الشرائع السابقة قال تعالى:" شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " الآية 13 من سورة الشورى. فدلت الآية على حجة ووحدة الشرائع و يستنتج من ذلك وجوب العمل في الشرائع السابقة إلا إذا ورد دليل على أنها نسخت أو أنها خاصة بأمة من الأمم .
2-أن الله عز وجل أمر نبيه محمد صلى الله عليه و سلم بإتباع الأنبياء و الرسل السابقين        والإقتداء بهم قال تعالى :" ُثمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً " الآية 123 النحل
وقال عز وجل :" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ "آية3 آل عمران.



3-قال تعالى :" إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ " والنبي "ص" من جملة النبيين .
4-استلموا بما ثبت أن النبي "ص" كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه وحي    و لو لم يكن شرعهم حجة لما كان لمحبته موافقتهم فإذا.
5-صح عن الرسول "ص" أنه صام عاشوراء فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" قدم النبي "ص" المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال :ما هذا ؟ قالوا : يوم صالح نجى الله فيه موسى و بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال "ص" أنا أحق الناس بموسى منكم فصامه و آمر بصيامه "
وذهب الأشاعرة والمرتزلة والشيعة وأحمد في رواية عنه واختاره الغزالي والأمادي والرازي وبن حزم الظاهري وكثير من العلماء إلى أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا        واستدلوا بما يلي :
1-كون الشرائع السابقة محدودة قاصرة على زمن معين و أمم معينة أما الشريعة الإسلامية فتتسم بالعمومية و قد شرع من قبلنا الشرائع قال الرسول "ص:" كان الرسول بعث إلى قومه خاصة و بعث إلى الناس كافة ".
2-قوله تعالى :" لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا "
فهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى حل لكل أمة شريعة فلا تطالب بشريعة أخرى.
3-أن النبي "ص" لما بعث معاذ إلى اليمن قاضيا وسأله عم يحكم به كانت إجابته بالقرآن ثم السنة ثم الاجتهاد بالرأي و أقره على ذلك و لم يأمره بالاستناد إلى شرع من قبلنا و لم يذكره معاذ فلو كان العمل به واجبا لذكره معاذ أو لنبهه إليه الرسول "ص" وقد رجح الكثير من الأصوليين المحدثين ( المعاصرين) مذهب المثبتين القائلين بان شرع من قبلنا شرع لنا بشرط أن تثبت صحته بنقل مسلمين عدول أو بأن يرد حكمه في القرآن أو يثبت في السنة الصحيحة لأنه تشريع سماوي ولان ذكر القرآن الكريم له دون نسخة أو إنكاره دال على تشريعه وإقراره ضمنيا و لآن القرآن مصدق لما بين يديه من التوراة و الإنجيل و استدل الكثير من الفقهاء على إثبات الأحكام الشرعية بأحكام شرع الصحيحة و مثال ذلك إجازة الفقهاء لعقد الجعالة مستندين إلى قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام "َولِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ " سورة يوسف
ويرى الأستاذ الدكتور وهبة الزحيل أنه لدى التحقيق يثبت أن شرع من قبلنا لا يعد دليلا مستقلا من أدلة التشريع وإنما هو مردود إلى الكتاب والسنة فلا يعد شرعا مستقلا لنا.
المصدر الرابع: الاستصلاح ( المصالح المرسلة).
إن تشريع الأحكام إنما قصد منه تحقيق مصالح الناس بجلب المنافع أو دفع المفاسد ورفع الحرج عنهم ومصالح الناس غير متناهية فهي تتجدد بتجديد أحوال الناس وتتطور باختلاف البيئات.
1-أنواع المصالح التي تقوم عليها الشريعة:
وهي ثلاث أنواع :
أولا: المصالح الضرورية: تعرف بالكليات الخمس وهي تلك المصالح التي تكون الأمة بحاجة إلى تحصيلها فاستقامة أمورها متوقفة على تحقيقها وبدونها يكون مصدر الأمة إلى فساد واضمحلال واندثار وتتمثل في ما يلي:
1-حفظ الدين.
2-حفظ النسل
3-حفظ العقل.
4-حفظ المال.
5-حفظ النفس.
ثانيا: المصالح الحاجية:
والمقصود بها المصالح التي يحتاج الناس إليها دفعا للحرج عنهم ولا يختل نظام حياتهم بدونها وإنما يحسون بالحرج والضيق كإباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر وقصر لصلاة الرباعية في السفر والتيمم عند فقدان الماء.
ثالثا: المصالح التحسينية:
وهي ما يتعلق بمحاسن العادات كلبس الجديد من الثياب وكل ما يجعل حياة الناس أفضل.
2-أقسام المصالح من حيث اعتبار الشريعة وعدم اعتبارها لها:
 أولا: المصالح المعتبرة: هي ما شهد الشارع الحكيم باعتبارها حيث وضع من الأحكام التفصيلية ما يوصل إلى تحقيقها مثل: الأحكام الشرعية الموضوعة للمحافظة على مقاصد الشرع الكلية الخمسة لحفظ الدين، النفس، النسل، العقل، والمال.
مثل : تشريع القصاص للمحافظة على النفوس وتشريع حد السرقة للمحافظة على أموال الناس وتحريم الخمر شرع للمحافظة على العقول وتحريم الزنا والقذف لأجل صيانة الأنساب والأعراض.
ثانيا : المصالح الملغاة: وهي عكس المصالح المعتبرة بأن قام الدليل على عدم اعتبارها بل وإلغائها بوضع الشارع الحكيم على ما يدل على عدم الاعتداء بها لأنه لو اعتبرت لترتب عنها تفويت مصلحة أكبر منها وقد اتفق العلماء على إبطالها وعدم التمسك بها يقول الإمام الشاطبي : " ... ومثل أية مصلحة تبدوا للناس تصادم نصا في الشريعة أو مبدأ علما قررته الشريعة وتسمى هذه في اصطلاح الأصوليين المصالح الملغاة ولا خلاف بين العلماء في أنه لا يبني عليها تشريع " ، ومن أمثلتها دعوى مساواة البنت الأنثى للذكر في الميراث فهي ملغاة لتعارضها مع قوله تعالى : " يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ".
ثالثا: المصالح المرسلة.
وهي لمصلحة غير المعتبرة وغير الملغاة أي لم يرد نص يعتبرها أو يلغيها ومعنى مرسلة أي مطلقة دون قيد ومثالها : المصلحة التي شرع لأجلها زمن الصحابة اتخاذ السجون أو ضرب النقود أو المصلحة التي اقتضت أن عقد البيع المتعلق بعقار الذي لا يسجل لا ينقل الملكية وغيرها.
حجيتها:
يحتج المعتدون بالمصالح المرسلة بحجج الآتية:
1-مصالح الناس في تجدد مستمر والشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح الناس فإذا ما جد جديد في حياتهم ولا يوجد نص يتناول ذلك فإن القول باعتبار المصلحة يتفق مع بقاء الشريعة وخلودها فحيث ما وجدت المصلحة فتم شرع الله سبحانه وتعالى.
2-أجمع الصحابة على الأخذ بالمصالح المرسلة فقد بنو الكثير من الأحكام وعليها نذكر منها:
* جمع القرآن الكريم.
* ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعده.
وعندما حضرت أبو بكر الوفاة رأى أن مصلحة الأمة تقتضي استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد فعل ذلك تحقيق لهذه المصلحة.
* أمر أبو بكر الصديق بقتال ما لغي الزكاة.
* أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعطيل تنفيذ حد السرقة عام المجاعة.
3-أهمية العمل بالمصالح المرسلة :
إن في العمل بالمصالح المرسلة ما يخدم مصالح الأمة فعلماء الأمة الإسلامية يمكنهم بناء الأحكام الشرعية على المصالح المرسلة بتوافر شروطها ودون الخروج عن مبادئ وأحكام الشريعة.
شروط العمل بالمصالح المرسلة :
حتى لا يكون بناء الأحكام الشرعية على المصالح المرسلة مطية ( يمتطي، وسيلة ) لإعمال الهوى اشترط المحتجون بها توافر الشروط الآتية للعمل بها :
ش1: أن تكون مصلحة حقيقية أي يكون من شأن تشريع الحكم بناءا عليها أن يجلب نفعا       أو بدفع مفسدة.
ش2: أن تكون المصلحة كلية بمعنى أن تكون شاملة لكثير من الناس فلا عبرة بالمصلحة الخاصة
ش3: أن  لا يعارض التشريع لهذه المصلحة حكما آو مبدأ ثبت بنص أو إجماع.
4-مجال العمل بالمصالح المرسلة :
نجد العمل بالمصالح المرسلة في المعاملات دون العبادات ومن أمثلة ذلك:  توثيق عقد الزواج تحديد للمسؤوليات وحفظا للحقوق ومن ذلك كذلك وضع قواعد المرور والالتزام بتطبيقها.
المصدر الخامس:الاستصحاب
الاستصحاب لغة: اعتبار المصاحبة أو استمرار الصحبة
اصطلاحا: هو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليه من قبل حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال أو هو جعل الحكم الذي كلن ثابتا في الماضي باقيا في الحال حتى يقوم دليل على تغيره
2-حجية الاستصحاب:
1-يظهر في الاستقراء الأحكام الشرعية أن الشارع يحكم ببقائها حتى يحدث ما يغيرها فالعشرة الزوجية حلال بين الزوجين إلى أن ينحل عقد الزواج بطلاق أو الوفاة والمفقود يبقى حيا استصحابا حتى يقوم الدليل بوفاته.
2-تعارف الناس في معاملاتهم وسائر تصرفاتهم على أنه إذا تحقق وجود شيء في الماضي غلب على الظن بقاءه واستمراره مادام لم يثبت ما ينافيه كما انه إذا تحققوا من عدم وجود أمر غلب على ظنهم استمرار عدمه حتى يثبت وجوده.
3-أنواع الاستصحاب: يقسم الاستصحاب إلى الأنواع الآتية:
1-الاستصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التي لم يرد دليل بتجريمها:
المقرر عند جمهور الأصوليين بعد ورود الشرع هو أن الأصل في الأشياء الإباحة ويستندون إلى الحجج الآتية: قوله تعالى: " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً "
وقوله أيضا : " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ".
فإذا كان الله عز وجل سخر لنا ما في السموات والأرض فدل على ذلك على الإذن والإباحة ونفي الجريمة متى يقدم الدليل على التحريم.
2-استصحاب العموم حتى يرد تخصيص واستصحاب النص إلى أن يرد نسخ: ولا خوف في هذا النوع .
3-استصحاب عدم الأصلي  أو البراءة الأصلية: كالحكم ببراءة الذمة من التكاليف الشرعية     والحقوق حتى يدل الدليل على شغلها فإذا ادعى شخص دينا على الآخر فيقع عليه عبء إثبات اشتغال ذمة المدعى عليه بالدين فإن عجز عن ذلك كانت ذمة هذا الشخص بريئة لأن الأصل هي البراءة حتى يثبت المدعي دينه.
والأصل عدم الالتزام بالتكاليف الشرعية فإذا ألزمنا الشرع بخمس صلوات معروضة يكون الأمر بصلاة سادسة قولا بخلاف الأصل فيطلب عليه الدليل ( ولا دليل هنا).
4-استصحاب ما دل العقل أو الشرع على ثبوته:
فإذا اثبت الملكية لشخص بسبب من أسباب اكتساب الملكية كالهبة أو الوصية أو البيع مهما طال الزمان يبقى مالكا حتى يقوم الدليل على زوال الملكية بسبب من أسباب الزوال.
4-قواعد شرعية مبنية على الاستصحاب
1-الأصل في الأشياء الإباحة
2-الأصل في الإنسان البراءة
3-اليقين لا يزول بالشك
4- الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.

5-عهود و أطوار التشريع الإسلامي
مر التشريع الإسلامي بأطوار عدة على النحو الآتي:
1-عهد الرسالة: يبدأ هذا العهد بالبعثة النبوية قبل الهجرة بما يقارب 13 سنة وينتهي بوفاة الرسول "ص " وهو أهم أطوار التشريع باعتبار أن مصدره كان الوحي بشقيه القرآن       و السنة و يمكن تقسيمه إلى مرحلتين:
أ- المرحلة المكية:
بأي مدة إقامة الرسول " ص" بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة و هي بالضبط 12 سنة     و 5 أشهر 13 يوما و كان الاتجاه فيها منصبا على بيان أصول الدين والدعوة إليها كالإيمان بالله و برسله واليوم الآخر والحث على التحلي بمذاهب الأخلاق كالصبر والصدق والأمانة  والتواضع والنهي عن الرذائل كالزنا و واد البنات والتطفيف في الميزان والنهي عن الكفر  وما يؤدي إليه و ما ورد في الأحكام العملية كان قليلا ووردت بصيغ كلية في الغالب لا تفصل عليه.
ب- المرحلة المدنية : و تمتد من هجرة الرسول " ص " إلى المدينة حتى وفاته و 9 سنوات و 9 أشهر و 9 أيام و فيها استمرت العناية بأصول الدين وأخذ الوحي ينزل بالتشريعات التفصيلية التي لا غنى عنها بتنظيم حياة المسلمين حيث شمل التشريع جميع ما يصدر عن الإنسان من أعمال العبادات كالصلاة والزكاة والصوم ومعاملاته المدنية كالبيع والإيجار  والجوانب الجنائية كالقتل والسرقة وقطع الطريق ونظام الأسرة من زواج وطلاق وميراث وعلاقة المسلمين بغيرهم في زمن السلم والحرب والقرآن الكريم يتناول هذه الأحكام في الغالب بصفة مجملة وتتولى السنة النبوية الشريفة بيانها فتفصل المجمل و تقييد ما يحتاج إلى تقييد وتخصص ما يحتاج إلى تخصيص كما تأتي أحيانا بأحكام العملية خلال هاته المرحلة هو تغير وضع المسلمين بتشكيلهم للدولة الإسلامية التي يحتاج إلى تشريعات تنظم شؤونها.
طريقة التشريع في هذا العهد: كان تشريع بعض الحكام بعد الوقائع أو الأسئلة تحتاج إلى إجابات في حين لم يسبق البعض الأخر وقائع أو أسئلة فمن الأحكام التي شرعت بمناسبة    أ-حدوث واقعة نذكر منها:
قوله تعالى :" َولاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ "
فقد نزلت هاته الآية بمناسبة حادثة تتمثل في أن احد الصحابة عزم على الزواج من مشركة فأتى النبي " ص" و أخبره فنزلت هاته الآية.
ومن ذلك كذلك أن امرأة سعد بنت الربيع ( هو من كبار الصحابة) جاءت إلى الرسول (ص) بابنتها من سعد فقال: " يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك بأحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا بمال : فقال "ص " يقضي الله في ذلك فتنزلت آيات المواريث، قال تعالى : "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ..." فأرسل رسول الله (ص) إلى عمهما ,أمر بأن يعطي ابنتي سعد الثلثين وأمرهما الثمن وما بقي يأخذه هذا العم.
ب-التشريع لورود سؤال: " ومن الأحكام التي شرعت سؤال ما يلي:
1-قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ "
2-قوله تعالى: "َيسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ  "
قال تعالى: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ "
وروى أن بعض الصحابة سألوا النبي (ص) فقالوا : "إنا نركب البحر المالح وليس معنا من الماء العذب ما يكفي الوضوء أفنتوضأ بماء البحر " فقال (ص) : "هو الطهور مائه الحل متيته".
ج-التشريع غير المسبوق بسؤال أو واقعة:
وهو ورود الأحكام دون أن تكون مسبوقة بحادثة أو واقعة أو سؤال ولكن الشارع الحكيم يرى أن الأوان قد آن لتشريع هذه الأحكام للمجتمع الذي يريد تكوينه وإيجاده ، لأن الشريعة الإسلامية ما جاءت لسد حاجات قائمة وإعطاء حلول لحوادث حاصلة فعلا ( فقط) وإنما جاءت لتوحد مجتمعا قائما على أسس صحيحة، ومن هذا القسم العبادات وبعض المعاملات ، كقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ " وقوله عز وجل " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا "

*مميزات التشريع في هذا العهد:
1-التدرج في التشريع: والتدرج نوعان:
أ-تدرج زمني ( التدرج في تشريع جملة الأحكام):
أي أن الأحكام لم تشرع جملة بل استغرقت مدة الرسالة ، فهي ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة فرضت الصلاة، وفي السنة الأولى من الهجرة شرع الآذان وأذن بالقتال وشرعت أحكام متعلقة بالزواج كالصداق و الوليمة، وفي السنة الثانية للهجرة شرع الصوم وصلاة العيدين ونحر الأضحى والزكاة وحولت القبلة، وأحلت الغنائم للمجاهدين وفي السنة الثالثة شرعت أحكام المواريث و أحكام الطلاق و في السنة الرابعة شرع قصر الصلاة في السفر والقذف، و فرض الحج...الخ.
ب-التدرج في تشريع الحكم الواحد:
فكثير من الأحكام لم تشرع كما هي عليه الآن من أول الأمر، بل اتبع في تشريعها سنة التدرج فالصلاة فرضت بادئ الأمر ركعتين ثم لما هاجر النبي (ص) فرضت أربعا في الحضر وتركت صلاة السفر على الفريضة الأولى.
كما أن الزكاة فرضت أولا دون تعيين أو تحديد أنصبتها أو مقاديرها ثم فصلت بعد ذلك، كما أن الخمر لم يحرم من أول وهلة كمار رأينا ذلك سابقا.
2-رفع الحرج: ونجد ذلك متجليا في التفسير من نصوص القرآن الكريم وأحاديث الرسول (ص) ومن ذلك قوله تعالى : " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " وقوله عز وجل " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وقوله كذلك :" لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا " وقال (ص)ك"  يسروا ولا تعسروا "وقد ثبت عنه (ص) أنه ما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما ما لم يكن إثما وقال (ص) "  ولا أشق على أمتي لأمرتها ( لأمرتهم ) بالسواك عند كل صلاة".
ومن مظاهر رفع الحرج نذكر:
أ-اعتبار المرض والسفر والإكراه والخطأ والنسيان كأعذار لتخفيف التكاليف ( الأحكام) وبني تشريع للرخص على القاعدة الشرعية التي تقول " الضرورات تبيح المحظورات"
ب-قلة التكاليف في الشريعة الإسلامية، قال (ص): " إن الله فرائض فلا تضيعوهن و حد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تحثوا عنها".
3-النسخ:
وهو يطلق عند الفقهاء على معين:
المعنى الأول: إبطال الحكم المستفاد من نص سابق بنص لاحق ومثاله قوله (ص): " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا تزورها فإنها تذكركم الآخرة" فالحكم الأول هو النهي عن زيارة القبور والثاني رفع النهي عن ذلك وأجل محله الإباحة والطلب.
-المعنى الثاني: رفع عموم نص سابق أو تقيد مطلقة ومثال ذلك : قوله تعالى في سورة البقرة "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ " ثم قال عز وجل في سورة الأحزاب :      " إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا " والآية الأولى جاءت عامة تشمل كل المطلقات ( مدخول أو غير مدخول بها أما الآية الثانية فتعطي حكما خاصا للمطلقة غير مدخول بها ( لا تعتد)
-شروط النسخ:
أ-أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا.
ب-أن يكون حكم المنسوخ ثابتا قبل حكم الناسخ.
ج-أن يكون حكم الناسخ ثابتا بالنص لا بالعادة أو العرف.، فإنه إذا ثبت بالعادة لم يكن رافعه ناسخا بل يكون ابتداء شرع آخر.
د-أن يكون حكم الناسخ مشروعا (ثابت) بطريق النقل، لذا إذا ثبت حكم بطريق النقل         ( النص) لم يجز نسخه بإجماع أو قياس مثلا.
ه- يجب أن يكون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل طريق يكون المنسوخ أو أقوى منه  فضلا عن ذلك كانت عدة المتوفى عنها زوجها أول الأمر سنة كاملة وكان على الزوج أن يوصي لها بالنفقة والسكن في هذه المدة ، قال تعالى :" وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ"  كم جاء الحكم بتحديد مدة العدة  جعلت      4 أشهر و10 أيام ، قال تعالى : "َالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً  ".
4-الاجتهاد لم يكن مصدرا للتشريع في هذا العهد : حيث كان الوحي مصدر للتشريع        ( القرآن والسنة النبوية التشريعية) ولهذا امتنع الاجتهاد في هذا العصر وما كان من اجتهادات بعض الصحابة وأقره الرسول (ص) فيعتبر من باب السنة التقريرية.
5-عدم وجود خلاف فقهي: كان النبي (ص) هو المبلغ عن الله عز وجل وهو لا ينطق عن الهوى ، وكان (ص) يقر أحيانا أقوال أو أفعال الصحابة وفي بعض الأحيان ينكر بعض أقوالهم أو أفعالهم ولم يكن هناك مجال للخلاف أو تعدد الأقوال في المسألة الواحدة، ولم يكن هناك إجماع.
ثانيا: عهد الصحابة:
استطاع الصحابة رضوان الله عليهم في الفترة لوفاة الرسول (ص) أن يقيموا حياتهم في المجتمع الإسلامي وفق لمنهج الرسول (ص) وقد أخرج الإمام أحمد من حديث حذيفة (ص) أن الرسول (ص) قال : " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله وأن تكون ثم يرفعها الله...."
وقد واجه الصحابة في الجانب التشريعي عدة أمور هي :
1-خشية الصحابة من ضياع شيء من القرآن الكريم بسبب استشهاد الكثير من الصحابة في الحروب التي خاضوها ضد المرتدين.
2-خشيتهم من اختلاف الأمة في القرآن كما اختلف من قبلهم ( أهل الكتاب)
3-خوفهم من الكذب على النبي (ص) (حديث الموضوع).
4-خوفهم من أن يزيغ المسلمون عن منهج النبي "ص" الذي وضعه لهم دينهم في جانب التشريعي.
5- استقبال الصحابة لمشكلات الحياة فكيف وجه الصحابة كل هذه الظروف:
أ-جمع الصحابة للقرآن الكريم: حيث أمر أبو بكر الصديق (ص) بجمعه ( الجمع التثبيت) أخذ بمشورة عمر بن الخطاب رضي لله عنه، فلما كانت خلافة عثمان (ص) اختلف الناس من قراءة القرآن وأخذ بعضهم يغلط بمعنى في  القراءة فأشار بعض الصحابة على عثمان بن عفان في جمع الناس على مصحف واحد ناسخ منه عدة نسخ وأرسل إلى كل ناحية نسخة.
ب-السنة النبوية الشريفة:
لما توفى الرسول (ص) كانت سنته محفوظة في صدور الصحابة ، وقد حذر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من كثرة رواية السنة حماية لها من الكذب والتدليس وكان يستوفيان في الرواية و كان علي رضي الله عنه  يستحلف من يروي له حديثا عن الرسول (ص) ولم تدون السنة في عهد الصحابة ويرجع ذلك لأمرين:
1-أنهم كانوا في ابتداء الأمر قد نوهوا عن ذلك حتى لا تختلط بالقرآن الكريم.
2-لسعة حفظهم ولأن أكثرهم كانوا أمين لا يعرفون الكتابة ولكن هذا لم يمنع بعض الصحابة من كتابة بعضها لأنفسهم.
*التشريع في عصر الصحابة:
 كان أبو بكر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء أو جاءه خصم في قضية من القضايا ينظر أولا في القرآن الكريم ، فإذا واجد نصا يبين حكمها من الكتاب قضى به وإن لم يجد لجأ إلى ما يحفظه من سنة الرسول (ص) وإن وجد قضى به، فإن لم يجد لا في الكتاب ولا في السنة لجأ إلى الصحابة فإن وجد عند أحدهم شيئا عن الرسول (ص) وإن أعياه الأمر جمع خيار الناس وأهل الرأي والعلم فليشاورهم في الأمر ثم قضى بما أجمعوا عليه ، ونفس الأمر كان يفعله عمر رضي الله عنه مع تحريه لرأي أبي بكر إن كان له رأي في الحادثة    أو الواقعة  نذكر هنا ما كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شريح القاضي قال : " إذا وجدت شيئا في كتاب الله فاقضي به ولا تلتفت إلى غيره وإن أتاك شيء ليس في كتاب الله فاقضي بما سن فيه رسول الله (ص) فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يبين رسول (ص) فاقضي بما أجمع عليه الناس ، وإن أتاك بما ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله (ص) ولم يتكلم فيه أحد قبلك ، فيما قضى به الصالحون قبلك فإن لم يكن فأنت بالخيار فإن شئت أن تجتهد رأيك فاجتهد رأيك ، وإن شئت أن تؤمر في ولا أرى مؤامرتك لي إلا خيرا  والسلام.
وعن عبد الله بن عباس قال: قلت يا رسول الله رأيت أن عرض لنا أمر لم ينزل فيه قرآن ولم تمضي فيه سنة منك ، قال (ص) تجعلونه شورى ولا تقضونه برأي خاصة.
فالأحكام التي يجدون فيها نصا يقفون عنده ويحاولون فهمه على نحو يؤدي بهم إلى تطبيقه تطبيقا سليما، وإذا لم يجدوا اجتهدوا معتمدين على ملكتهم التشريعية الحاصلة لهم بطول مصاحبتهم لرسول (ص) والوقوف على أسرار التشريع ومبادئه العامة فتارة يقيسون وأخرى يقضون بما تقضي به المصلحة وكان أبو بكر وعمر  رضي الله عنهما خصوصا يكثران من استشارة الصحابة فيما لا نص فيها.
*اختلاف الصحابة:
وقع الخلاف بين الصحابة في العديد من المسائل وهذا راجع لكونهم غير معصومين من الخطأ وقد احتاجوا إلى الاجتهاد فتعارضت أقوالهم في بعض المسائل وكانت قليلة وترفع قلة المسائل المختلف فيها لعدة أسباب أهمها:
1-الفقه العظيم الذين كانوا يتمتعون به.
2-كونهم كانوا يتشاورون في المسائل.
3-المنهج الذي آخذوه على أنفسهم والقائم على ما يلي:
أ-إلزام كبار الصحابة (علما) بالبقاء في المدينة في عهد أبي بكر وعمر لتسهيل الرجوع إليهم عند الحاجة.
ب-استخدام نظام الشورى.
ج-قلة رواية الحديث ( كتاب طردي)
د-عدم الشرع في إبداء الرأي بل كان حكمهم مدني على التروي.
ه-قلة الوقائع والمستجدات في عهدهم إذا ما قرنت بالعصور التي تلتهم.
أما الاختلافات القليلة في بعض هذه المسائل التي وقعت بينهم فترجع إلى:
1-وقوع وقائع وحوادث جديدة لم تكن في عهد الرسالة.
2-تفاوت الصحابة في فهم النصوص وتفسيرها.
3-بلوغ الأحاديث لبعضهم دون لبعض.
4-تفرق الصحابة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه في البلدان.
5-اختلاف بيئات وحاجات وعادات الأقطار التي حل الصحابة فيها.
*مصادر التشريع في عهد الصحابة:
تتمثل مصادر التشريع في هذا العهد في : الكتاب ، السنة، الإجماع والرأي "الاجتهاد"   و الذي كانوا يسمونه رأيا و كانت هذه اللفظة شاملة لأنواع الأدلة التي يسميها باسماء خاصة فيما بعد كالقياس و الاستحسان و الاستصلاح مع عدم إهمالهم للعرف.
أ-الكتاب : وقع الاتفاق بين الصحابة على أن الكتاب هو الأصل الأول الذي ينبغي الرجوع إليه والعمل به والأخذ بما دل عليه من الأحكام الظاهرة فاختلفوا فيها تبعا لاختلافهم في الفهم وتفاوتهم في العلم واللغة حيث لم يكونوا على درجة واحدة من الاطلاع والمعرفة ، كما أن منهم من كان طويل الملازمة للرسول (ص) فعرف أسباب النزول وهناك من لم يكن على هذا الأمر.
ب-السنة النبوية الشريفة: لم يختلف الصحابة في وجوب الاستدلال بالسنة إذا أثبت عن النبي (ص) ولكنهم كانوا ينشدون في رواية الحديث والإكثار من ذلك. وإن لم يكن بين الصحابة خلاف في الأخذ بالسنة عموما واعتبارها مصدر للتشريع إلا أنهم اختلفوا في الأخذ بها نظرا لتفاوتهم في السماع من الرسول (ص) والاجتهاد في فهمها ، فلم يكونوا على درجة واحدة في حفظ الأحاديث بل وجد منهم المقل ومنهم المكثر ومن لازم النبي (ص) ومنهم من شغله العمل أو الجهاد أو غيرهما عن ملازمة النبي (ص) ومنهم من ترك رواية الأحاديث عن النبي (ص) تورعا واحتياطا، ومنهم من كان على غير علم بالنص (الحديث) فيجتهد ثم يظهر النص على خلاف ما رأى فيرجع عن اجتهاده .
ج-الإجماع : ظهر الإجماع في هذا العصر فلم تكن هناك حاجة إلى الإجماع يعتبر نوعا من الاجتهاد وظهر في هذا العصر كل ما طرأ من حوادث ووقائع لم تكن في عهد الرسالة وكان وجود الإجماع وتحققه ميسورا في هذا العهد لأن جمهور الصحابة وخاصة المجتهدين كانوا يسكنوا المدينة المنورة ، ولم يكن عمر يسمح لأحد منهم بمغادرة المدينة إلا عند الضرورة التي تستدعيها الفتوحات.
د-الاجتهاد: لم يكن الاجتهاد مصدرا للتشريع في عهد الرسالة والاجتهاد والرأي لم يتحدد في هذا العصر بمعنى واحد بلا كان شاملا لما سمي فيما بعد بأسماء خاصة كالقياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع ...الخ .
أمثلة من اجتهادات الصحابة:
1-خالف بعض الصحابة أبا بكر الصديق في قتال ما نعي الزكاة و قاس ابو بكر الصديق ما نع الزكاة على تارك الصلاة.
2-وافق أبو بكر و عمر بن الخطاب على جمع القرآن بعد أن خشي عمر ضياع القرآن باستشهاد حفظته و اكبر فقهاء الصحابة سبعة07 هم :
عمر بن الخطاب ،علي بن أبي طالب ،عبد الله بن مسعود ،عائشة أم المؤمنين ،زيد بن ثابت عبد الله بن عباس ،و عبد الله بن عمر.
*أهم مميزات الاجتهاد في هذا العصر:
1-الاجتهاد كان واقعيا ولم يكونوا يفترضون القروض ويقدمون المسائل وكانوا يكرهون ذلك ولا يبتكرون رأيا في شيء حتى يحدث فإن حدث اجتهدوا في استنباط الحكم.
2-الاجتهاد كان قليلا نظرا لقربهم من عهد الوجود وقلة المسائل التي كانت تحدث ولم يكن قد سمع أحد الصحابة فيها حديثا عن الرسول (ص).
3-الاختلاف في الاجتهاد كان محدودا وقليلا كما ذكرنا ذلك سابقا.
4-أن الاجتهاد والرأي لم يكن ملزما للآخرين ، فكان أحد الصحابة يجتهد ويحسب أن اجتهاده يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ، فهذا أبو بكر (رضي الله عنه) نزلت به قضية لم يجد لها حكما في كتاب الله ولا في السنة فاجتهد برأيه ثم قال: " هذا رأي  فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله".
ثالثا: عهد التابعين ( عهد النمو والرشد): و هو خير العهود بعد عهد الرسالة و عهد الصحابة و لأن الصحابة كان لهم وجود في هذا العصر و  يبدأ هذا العهد من تنازل الحسن بن علي (ص) عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان (ص) في عام 41ه ويمتد إلى أوائل القرن الثاني الهجري قبيل سقوط الدولة الأموية، وهو خير العهود بعد عهد الرسالة وعهد الصحابة كان لهم وجود في هذا العصر.
*كيف نال التابعون فقه الصحابة:
كان علماء التابعين يتنقلون عبر أرجاء الدولة علما بأن الصحابة انتشروا في الأقطار المفتوحة خلال وابتداء من خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ونشروا العلم فيها.
*التشريع في هذا العهد:( منهج التابعين في التعرف على الأحكام)
كان التشريع في هذا العهد موافقا نهج الصحابة لأن التابعين تلقوا الفقه عنهم و ساروا على منهجهم في استنباط الأحكام، فكان فقهاء هذا العصر يرجعون إلى الكتاب ثم إلى السنة ثم إلى الاجتهاد بالرأي بأنواعه أخذ بعين الاعتبار مع مراعاة المصلحة والمفسدة وكثر في هذا العصر أو شاع التحديث ( رواية الأحاديث) ولكن كثر الإجماع في هذا العصر غير أن تفرق الفقهاء قلل منه فيما بعد.
أ-التوسع في الأخذ بالرأي :
خرج بعض العلماء عن نهج الصحابة فأكثروا من استعمال الرأي في استنباط الحكام واخذوا يفترضون مسائل محتملة و يضعون لها حلولا.
و قد عرفوا هؤلاء بأهل الرأي و انتشر أكثرهم في العراق و كان على رأسهم إبراهيم ابن يزيد النفعي و قد ثار نزاع بينهم و بين أهل الحديث.
ب-اتساع دائرة الفقه وكثرة الخلاف في مسائله:
دائرة الفقه تزداد بازدياد الحوادث والوقائع فلابد لكل واقعة من حكم في الشريعة الإسلامية إما بالنص وإما بالاجتهاد ولما كانت الحياة في تطور فأحداثها دوما في ازدياد  ضف إلى ذلك اتساع رقعة الدولة الإسلامية وفي فن البيان أن هذه الأقطار تختلف في عاداتها وتقاليدها وأعرافها وأنماط عيشها ، كل هذه الأمور أدت إلى تنوع الوقائع وبالتالي كثرة مسائل الفقه واتساع دائرته.
وترجع أسباب الاختلافات إلى:
1-انتشار الفقهاء والتابعين في الأقطار الإسلامية وتوطنهم فيها، وقد تبع ذلك إقبال الناس عليهم طلبا للفتوى وسؤالا عن حكم الشرع فيما يقع من وقائع وحوادث ومستجدات.
2-هؤلاء الفقهاء لم يكونوا على درجة واحدة في الفقه وحفظ السنة وفهمهم للكتاب والسنة الشيء الذي ترتب عنه اختلافهم في التسيير من المسائل التي اجتهدوا فيها.
3-إن الاجتهاد مع التشاور الذي كان ينتهي عادة إلى اتفاق لم يعد ممكنا في هذا العهد نظرا لفرق الفقهاء في الأقطار وتعذر الاتصال بينهم على نحو كافي ، يضاف إلى ذلك قيام بعض الفرق الإسلامية الخوارج والشيعة، وهذه الفرق اختلفت فيما بينها في مناهج الاستنباط ومناهج الاستدلال وعدم اطمئنان كل فرقة لما عند الفرقة الأخرى.
4-اختلاف البلدان والتي نزل بها الفقهاء في العادات والتقاليد وأنماط العيش أثر في اجتهادات الفقهاء لأن الفقيه يراعي أحوال الناس وعاداتهم وأعرافهم ما لم تكن مخالفة للشرع.
5-إن أهل كل بلد تلقوا العلم عن فقهائهم ووثقوا بهم لمعرفتهم لهم وقد أدى ذلك إلى التعلق بفتواهم والوثوق بما رووه فلم يكن من السهل أن يتحولوا عن ما عرفوه وساروا عليه ، كما أنهم أحسوا بعدم الحاجة لمعرفة فقه غير بلدهم .
ج- تكوين المدارس الفقهية :
تعددت المدارس الفقهية في هذا العصر أشهرها مدرستان:
-مدرسة المدينة ( أهل الحديث ) أو أهل الأثر
-مدرسة الكوفة ( أهل الرأي ) العراق
أ-مدرسة المدينة: و كانوا يتبعون اثر الرسول (ص) أكثر من باقي البلدان لأنهم كانوا الأعلم بسنة النبي (ص) لهذا عرفوا بأهل الأثر و أهل الحديث و من أشهر علماء التابعين الذين ساروا على نهج الصحابة في المدينة المنورة " سعيد ابن المسيب" المتوفى في سنة   94 ه و " عروة بن الزبير " المتوفى في سنة 94 ه و " سليمان ابن يسار " المتوفى في سنة 107 ه.
ب- مدرسة الكوفة : انتقل إلى الكوفة الكثير من الصحابة في خلافة عثمان بن عفان        و بعدها جاء بعدهم علماء التابعين " كعلقمة " ابن القيس النخعي و السود ابن يزيد النخعي    و شريح ابن الحارث الكندي و تكثر هذه المدرسة من أعمال الرأي
د- التوسع في رواية السنة النبوية
رأينا سابقا كيف أن الخلفاء الراشدين حدوا من رواية السنة النبوية فحفظت من الكذب و الوضع و لكن لم يستقر الأمر على حاله في عهد التابعين حيث أكثروا من روايتها و يمكن حصر أسباب انتشار رواية الحديث فيما يلي :
-كان الصحابة يخافون على القرآن الكريم إذا اشتغل الناس بالسنة فلما استقر الأمر و أمن العلماء على القرآن زال المانع من الرواية.
-الفتن الكثيرة التي أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عنها فكان الصحابة يروون هذه الأحاديث التي تكشف الفتنة و تزيل الشبهة.
-جدت وقائع تتطلب بيان أحكامها و هذا البيان موجود في كثير من الأحيان عند حفظة الحديث
-التألم في كتمان العلم و كان من نتائج شيوع رواية السنة كثرة الوضع و الكذب في حديث الرسول (ص) حتى أحتاج العلماء إلى البحث عن الرواة، و ظهر فيها بعد علم يسمى علم "الجرح و التعديل"
*شيوع رواية الحديث:
شاع في هذا العصر رواية أحاديث للرسول (ص) بعد نهاية الخلفاء الراشدين جمع ظهور الفرق السياسة وكثرة الفتوحات وتفرق الفقهاء في البلدان وكثرة الحوادث والوقائع الجديدة ظهرت الحاجة إلى البحث والسؤال عن السنة وكثرة التحديث بها ولا شك أن هؤلاء العلماء لم يكونوا على درجة واحدة فيما يتعلق بحفظ السنة فكان عند بعضهم ما ليس عند الأخر ، وكان منهم المكثرون من الرواية ومنهم المقلون.
*آثار شيوع رواية الحديث:
وكان لشيوع رواية الحديث آثار عدة، أهمها:
1-اتساع الأحكام وكثرة الاستنباط، حيث أن السنة هي المصدر الثاني للفقه.
2-شيوع ظاهرة الوضع في الأحاديث من طرف بعض المفسدين فاستغل هؤلاء كثرة التحديث عن رسول الله (ص) فلفقوا الأحاديث ونسبوها زورا وكذبا إلى رسول (ص) وأشاعوها بين المسلمين بغيت إفساد دينهم ، وشاركهم في ذلك بعض المتعصبين من أصحاب الفرق المختلفة وبعض الجهلة الذين أرادوا الخير للناس فقاموا بوضع أحاديث في باب الفضائل والترغيب والترهيب.
3-ترتب على وضع الحديث عرقلة سير الفقه وتعسير طريقة الفقهاء في عملهم فبعد أن كان الفقيه يسمع الحديث مطمئنا واثقا بصحته فيتصرف مباشرة إلى الاستنباط منه، صارت مهمته شاقة فعليه أولا فحص الحديث سندا ومتنا للتأكد من صحته قبل أن ينظر فيه ويستنبط منه.
كما أن شيوع وكثرة الوضع أدت بفقهاء العراق خصوصا إلى اشتراط شروط كثيرة لقبول الحديث ، مما أدى إلى قبول القليل مما يسمعون ، وهذا ما أدى بهم إلى اللجوء إلى الرأي في استنباط الأحكام.
4-لم تنخدع الأمة بمكائد الواضعين، بل قامت طائفة من العلماء للكشف عن زيف وكذب ما وضعه هؤلاء وهنا ظاهر علم جديد يسمى "بعلم الجرح والتعديل" أو " علم الرجال"
*التدوين في هذا العصر:
التدوين لم ينل نصيبه في هذا العصر، فالقرآن كان قد جمع في عهد الخلفاء الراشدين والسنة لم تدون كذلك ، إلا أن العلماء في هذا العهد قد تنبهوا لأهمية تدوين السنة ، حيث أمر عمر بن عبد العزيز بتدوينها غير أنه توفي بعد عام واحد قبل أن يتم هذا العمل فتم والتوقف عنه أما الفقه فلم يدون في هذا العهد.
رابعا: عهد التدوين والأئمة المجتهدين:
يبدأ هذا العهد بنهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية وينتهي بتجزئتها في حوالي منتصف القرن الرابع (4) الهجري وقد ورث علماء هذا العصر فقه الصحابة والتابعين ولم ينته هذا العصر حتى دونت السنة ووضع علم الجرح والتعديل وقواعد مصطلح الحديث ولما اختلط الحديث الصحيح بالحديث مما شابه، كما ورث العلماء منهج الصحابة والتابعيين وسارو عليه ولما كان العلماء متفاوتين في حفظ السنة والعلم بفقه الصحابة والتابعين وكذا في الالتزام بمنهج الصحابة فقد حدث اختلاف في استنباط الأحكام وقد تحددت هذه المناهج في مذاهب لكل منها أصوله وفروعه وعلمائه وأتباعه.
واختلف علماء هذه المذاهب فيما بينهم في حجية بعض المصادر كما رأينا سابقا ، ونشأ عن ذلك اختلاف في كثير من الفروع ، وكثرة المناظرات ، ومما شجع على ذلك اهتمام الخلفاء بالعلوم وخاصة علم الفقه ، لكن الخلاف كان محكوما بالدليل والبرهان ، فكان علماء هذا العصر يرفضون التقليد ، وينظرون في الدليل وينهون عن التعصب ويأخذون الحق ممن جاء به.وقد دونت العلوم في هذا العصر كعلم الفقه كما دونت السنة النبوية الشريفة.
تدوين السنة: لم تدون في عصر الرسالة أي عصر الرسول (ص) و لا في عهد الصحابة   لا حتى في عصر التابعين حيث كان تناقلها بالمشافهة و الحفظ فلما انتشر الإسلام و اتسعت البلاد و كثرت الفتوحات و بعد عهد الوحي و خشي على السنة من الضياع فاحتاج العلماء إلى تدوينها لأن الكتابة هي الأصل في الحفظ كما يقول ابن الأثير " فإن الخاطر يغفل   الذهن يغيب و الذكر يهمل و القلم يحفظ فلا ينسى".
و أمر عمر ابن عبد العزيز بتدوينها فلما توفي بعد عام لم تدون لقصر خلافته و لكن الأمر بدأبين سنتي 120ه و 130ه كما ذكر ذلك أبو طالب المكي في كتابه " قوت القلوب ".
تدوين الفقه:
استفاد الفقه من تدوين السنة باعتبارها المصدر الثاني له، كما استفاد من تدوين العلوم الأخرى ذات الصلة به كعلم النحو والصرف والبلاغة واللغة وأصول الفقه.
وقد بدأ تدوينه مختلطا بالسنة النبوية الشريفة وما أثر عن الصحابة والتابعين لأنها مادة الفقه ومثال ما صنف على هذا الوجه موطأ الإمام مالك والجامع الكبير لـ : " سفيان الثوري" و " اختلاف الحديث" " للشافعي" كما صنفت تب الفقه المجردة عن الأحاديث ككتاب الخراج"لأبي يوسف تناول فيه الجانب المالي للدولة الإسلامية، وكانت كتب الفقه لهذا العصر تعني بالدليل للوصول إلى الصواب دونما تعصب.
خامسا: عهد التقليد والجمود:
يبتأ هذا العهد من منتصف ق 4/ه حتى أواخر القرن 13 ه حيث شاع فيه التقليد للأئمة السابقين وأغلق باب الاجتهاد ومرد ذلك على ما يلي:
1-انقسام الدولة الإسلامية إلى دويلات تقاتل بعضها بعضا ، فاشتغل ولاة الأمور بالحروب على حساب العلم .
2-الشعور بالنقص والقصور من قبل العلماء.
3-التعصب المذهبي الشيء الذي جعل علماء كل مذهب يتمسكون بآثار أئمتهم السابقين وانشغالهم بالانتصار لهم تاركين الاجتهاد.
ولكن رغم ذلك برز علماء نادوا بفتح باب الاجتهاد وتركوا لنا ثروة فقهية عظيمة نذكر منهم على سبيل المثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه : ابن قيم الجوزية والإمام الشوكاني والإمام أبو حامد الغزالي وغيرهم  .
سادسا: عهد النهضة الفقهية العلمية الحديثة:
يبتدأ هذا العصر من أواخر القرن 13 ه إلى وقتنا الحالي ،على الرغم من استمرار تمزق الدولة الإسلامية إلى دويلات وخضوع أجزاء كثيرة منها للاستعمار الأجنبي الذي ترك بصماته سلبا على الحياة العلمية كما ظاهر العرف الفكري  ولكن ذلك كان سببا في يقظة فكرية اجتهادية تمثلت في سعي علماء الأمة إلى تجديد واقعها الفقهي والتصدي للهجات الثقافية ولأولئك الذين يضعون الدين الإسلامي بالرجعية والتخلف وعدم التناسق مع مقتضيات الزمان وتغير العصور.
ونشير هنا إلى أهم بوادر النهضة ومظاهرها:
1-تأليف الكتب التي رجع فيها أصحابها للمبادئ الفقهية المختلفة و الاعتماد على الدراسات المقارنة بين الشريعة الإسلامية و القانون في المناهج الدراسية و البحوث العلمية.
2-إنشاء المجامع الفقهية: وذلك تحقيق للهدف الذي شعر المسلمون بحاجة إليه في تجديد الفقه الإسلامي ومن ذلك نذكر:
أ- إنشاء المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة سنة 1384ه و الذي يهتم بدراسة المسائل المستجدة و إيجاد حلول لها.
ب-وهناك مجامع أخرى مثل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ومجتمع الفقه الإسلامي في السودان.
3-إنجاز مشاريع الموسوعات الفقهية: ومثالها مشروع المجلس الأعلى للدراسات الإسلامية في القاهرة.
ب-مشروع موسوعة الفقه الإسلامي المعد من قبل وزارة الشؤون الإسلامي والأوقاف بدولته الكويت.
4-عقد ملتقيات: لدراسة عدة مسائل، تهم المسلمين كمؤتمر الفكر الإسلامي، بالجزائر لعدة سنوات.
5-الدراسات الجامعية المقارنة : دراسة الفقه الإسلامي في الدراسات الجامعية والعليا مؤشر واضح للسير نحو العافية من المجالات الضيقة في المذهبية والتقليد، وهي وسيلة لفهم ودراسة الفقه، حيث تنافس الأدلة ليؤخذ بالراجح منها، حيث ساهمة هذه الدراسات في صحوة علمية كما أن فيها إسهاما دراسة القضايا المستجدة، كما أن الرسائل الجامعية فتحت الطريق للاجتهاد في المسائل واستخراج الأحكام وفقا لمقاصد الشرع لكثير من المستجدات التي لم يتطرق إليها الأقدمون، يضاف إلى ذلك الدور الهام الذي تؤديه الدوريات والكتب التي تنشرها الجامعات والمؤسسات العلمية المتخصصة ، كما أن هناك الكثير من الدراسات المقارنة بين الشريعة والقوانين الوضعية أثر كبير في بعث الفقه الإسلامي.
6-تقنين الفقه الإسلامي: حيث كان من الضروري صياغة الفقه في شكل تقنين يمكن الرجوع إليه في كل مسالة ففي نهاية القرن 13 ه شكلت الدولة العثمانية لجنة من العلماء لتكتب أحكام المعاملات اعتمادا على المذهب الحنفي و انتهت بوضع ( مجلة الأحكام العدلية) ثم أصدرت الدولة العثمانية قانون العائلة سمنة1336ه الموافق ل1917م كما صدرت عدة تقنينات في العالم الإسلامي خصوصا في مجال الأحوال الشخصية.
دراسة بعض القواعد الفقهية:
1-تعريف القاعدة الفقهية:
القاعدة لغة تعني الأساس، أما اصطلاحا هو حكم كلي يتعرف منه حكم الجزئيات الفقهية مباشرة وتنقسم من حيث اتفاق العلماء عليها إلى :
*قواعد متفق عليها بين كل المذاهب: وهي القواعد التي لم ترد بصيغة الاستفهام مثل :     " قاعدة الأمور بمقاصدها" وقاعدة " لا ضرر ولا ضرار" وقاعدة " الضرر يزال" وقاعدة     " اليقين لا يزول بالشك" وقاعدة " إعمال الكلام أولى من إهماله" وهي ما أطلق عليها الإمام السيوطي جلال الدين بالقواعد الكلية.
*قواعد مختلف فيها: وهي التي وردت بصيغة الخلاف، ونتج عن الخلاف فيها خلاف في الفروع المبنية عليها، ومنها قاعدة " هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها " وتتمثل مصادر القواعد الفقهية في:
أ-القرآن الكريم: ومثاله قاعدة " المشقة تجلب التسيير" مصدرها قوله تعالى: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ "
ب-السنة النبوية الشريفة: مثل قاعدة " الأمور بمقاصدها " مصدرها حديث : " إنما الأعمال بالنيات"
ج-الاستنباط من نص شرعي: كقاعدة " اليقين لا يزول بالشك" فهي مستنبطة من حديث:     " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل فخرج منه شيء أولا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صرحا أو يجد ريحا"
1-قاعدة الأمور بمقاصدها: ومعناها أن الأعمال مرتبطة بالنيات ومعتبرة بها، فقد يعمل الإنسان عملا معينا فيترتب على عمله حكم معين ، وقد يعمل نفس العمل بقصد آخر فيترتب عليه حكم آخر.
*أصل القاعدة: قوله تعالى: " وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ " ومن السنة حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : " سمعت رسول الله (ص) يقول : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرة إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هجر إليه"
وتعتبر النية هي الميزان التي توزن بها الأعمال وسائر تصرفات الإنسان ، وهو المعتمد عليها في الحكم على أعماله من حيث الحل والحرمة والصحة والفساد وكل عمل لا اعتبار له إن لم تصحبه نية، ويتفرع عن هذه القاعدة عدة قواعد منها، نذكر منها:
أ-قاعدة جزئية:العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني مثلا: في نكاح المحلل، المحلل لم يقصد النكاح بالعقد وإنما قصد التحليل فقط لذلك استحق اللغة، اعتبر النكاح هنا فاسدا لا يحلل من باتت بينونة كبرى.
 " لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية: « فيثاب الإنسان على القصد وإن لم يفعل كالمنقطع عن صلاة الجماعة لعذر إذا كانت نيته حضورها لولا العذر فإنه يحصل على ثوابها.
ج- قاعدة المشقة تجلب التيسير:
1- المعني الإجمالي للقاعدة : يقصد بها أن الصعوبة تصير سببا للتسهيل و التخفيف و يلزم التوسع وقت الضيق فإذا صار المكلف في حالة يتحمل فيها صعوبة غير معتادة إذا قام بما هو مكلف به فإن تلك الحالة تصير سببا للتخفيف التكليف عليه كالمريض الذي لا يقدر على الصلاة قائما فإنه يصليها جالسا فإن لم يستطيع صلاها مستلقيا مضطجعا.
2-أدلتها : جميع نصوص القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة التي تصرح برفع الحرج عن الناس و إرادة اليسر لهم و كل ما جاءت به الشريعة من الرخص دالة على أصالة       و مشروعية هذه القاعدة كقوله تعالى :" و ما جعل عليكم في الدين من حرج " و قوله عزوجل :" يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفا". وقال الرسول "ص":" أحب الدين إلى الله الحنفية السمحا"
أسباب التخفيف في الشريعة الإسلامية :
1-السفر : و هو سبب جالب للتخفيف مثل قصر الصلاة الرباعية و الفطر في رمصان      و المسح على الخفين أكثر من يوم و ليلة و سقوط صلاة الجمعة و العيدين.
2-المرض : و رخصه كثيرة منها التيمم عند الخوف من زيادة المرض أو بطء برئه كالقعود في الصلاة و الاضطلاع فيها و الإيماء بالركوع و السجود و التخلف عن الجماعة مع حصول الفضيلة و الفطر في رمضان و الإستنابة في الحج و رمي الجمار.
3-الإكراه : و هو حمل الغير على أن يعمل ما لا يرضاه و لا يختار مباشرته لو ترك       و نفسه
أثر الإكراه في تصرفات المكره :
أ-في أقواله: لا يترتب على قوله حكم فلا يقع طلاقه و لا بيعه و لا يعتبر ما نطق به من كفر إن قلبه مطمئنا بالإيمان لقوله تعالى:"إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان ".
ب- في أفعاله : و هي تنقسم إلى 03 أقسام :
*مباح للضرورة كشرب الخمر و أكل الميتة فهذه يباح لمكره مباشرتها.
*يرخص فعله للمكره و إذا امتنع عليه يؤجر و لا يؤثم و إن هلك كإكراهه على الكفر         و إتلاف مال الغير فإن فعله جاز ذلك و الضمان على المكره لا على المكره
*أفعال لا يجوز فعلها حتى مع الإكراه كقتل النفس فإن فعل أثم عليه على المكره القصاص عند الجمهور و عند الحنفية  القصاص على الكره لأنه كالآلة في يده.HAHA MAKANCH MENHA
4-النسيان : وهو عدم تذكر الشيء عند الحاجة إليه و اتفق العلماء على انه مسقط للإثم مطلقا سوى في حقوق الله عزوجل أو في حقوق العباد لحديث رسول الله صلى الله عليه      و سلم" إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما إستكرهو عليه " و مما يسقط حكمه بالنسيان :
لو أكل الصائم أو شرب ناسيا لا يبطل الصائم قال رسول  "ص ": " من نسي و هو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإن الله أطعمه و سقاه"
5- الجهل: و هو عدم العلم ممن شأنه أن يعلم و من تخفيفاته  جهل الوكيل أو القاضي بالعزل أو المحجور عليه بالحجر عذر في جعل تصرفاته صحيحة حتى يعلم .
6-النقص : و هو ما يوجد في الإنسان من حالات من شأنها جعله غير قادر على القيام ببعض تكاليف شرعية التي يكلف بها غيره الذي لا يوجد فيه هاته الحالة مما يجعل تكليف من به هذا النقص شفقا عليه كالنساء و الصبيان و غيرهما فالمرأة خفف عنها بعدم تكليفها بكثير مما كلف به الرجال كالصلاة الجماعة و الجمعة و الجهاد ...إلج و لا يكلف الصبي      و المجنون بما كلف به البالغون العاقلون.








Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire